الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 12:44 PM
العصر 4:15 PM
المغرب 7:02 PM
العشاء 8:19 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

العودة إلى الأرض.. رحلة مع طعام المونة الفلسطيني

الكاتب: عمر عاصي

قد تبدو فكرة العودة إلى المُنتجات البلدية، موضة حداثيّة لبعض، وميلٌ نوستالجي وحنين إلى الماضي عند آخرين.

 ولكن الأكيد، أن فكرة العودة إلى المُنتج البلدي وتحديدًا إلى طعام المونة، يُمكن أن تكشف لنا الكثير عن موروثنا الزراعي، بكل ما يحمله من حكايا تاريخية وجغرافية وقيميّة.

فعنب الخليل يُذكرّنا بالصراع مع الاحتلال والاستيطان، وفكرة سوق الفلاحين في رام الله تمنحنا شيئًا من الأمل في المستقبل واقتصاديات "الزراعة المدعومة مجتمعيًا".

ثم فوق هذا، نجد المبادرات التي تأخذ مُنتجات مونة فلاحات جنين إلى الجليل والجولان، ثم نجد شيئًا من الفخر بالتمسك بـــ "موسم الخروب" في حيفا كما الفخر بالتمسك بتراث الملوخية في صفوريّة.

 والمثير أكثر، التمسك ببذور البندورة البلدية الأصلية في مرج البطوف وسهل كفر كنا وطرعان.. هذه الحكايا هي جزء من ألف حكاية وحكاية لم تُسرد بعد عن موروثنا الزراعي.

 هيا بنا إلى رحلة ممتعة في بلادنا، نبدؤها بمرج البطوف في الجليل ونختمها بسوق البلدة القديمة في الخليل.

بركات البطوّف ورُب البندورة

محطتنا الأولى في بلاد الجليل ومرج البطوف تحديدً، لن تكون هذه المرة عند مزارع البطيخ و"الحروّش" أو "البعاجير" كما يُسمونه، ولكن من عند "البندورة البعلية" التي اختفت من مُعظم بسطات ومتاجر فلسطين تقريبًا، إلى درجة أنك لو سألت بعض المخضرمين في تجارة وبيع الخضروات عن البندورة البلدية البعلية؟، فإن الإجابة التي تنتظرك "فش منها هذه اليوم يا عمي".

 ولعلّ أكثر الحكايات ارتباطًا بهذه السؤال والحنين إلى البندورة البعلية هي حكاية "البندورة العبوشيّة" التي تميّزت بطعمها الأصيل ولكنها "انقرضت" كما يقول أهالي كفر عبوش والمنطقة، بعد "اجتياح البندورة الإسرائيليّة" للأسواق.

ومن المؤكد أن البندورة البعلية لم تختفِ تمامًا كما يُقال، فهناك من يزرعها في قرى رام الله وجنين، لكن وبما أننا في "الجليل" لا بُد أن نذكّر بأن البندورة البعلية تُزرع في سهل طرعان وكفر كنا، كما أنها تُزرع في أراضي صفوّرية، وتُزرع في البطّوف، وفي بعض مناطق الجليل تُروى ولا تزرع بعليّة 100%، إلا أن أحد مُزارعي البطوف أكد لنا أنها بندورتهم بعلية 100%.

وللعلم فإن هذه البندورة لا تُسوَّق في متاجر "السوبر ماركت" بيدَ أنها تُسوَّق بطرق "شعبية"، كأن تُباع لمعارف المُزارع أو في البسطات التي تكون في السهول، وعمومًا فإن تسويقها محفوف بالمخاطر، كونها لا تحتمل "النقل" و"التخزين" كغيرها من "البندورة الهجينة" والتي يسميها بعض "البندورة الصناعية".

هذه التحديات، لم تكن لتقف أمام غرام أجدادنا بالبندورة على الرغم من جهلهم بها، حتى أن المصادر العربية لم تذكرها إلا في آخر 200 عام، فالبندورة لم تكن معروفة في بلاد الشام حتى مُنتصف القرن الثامن عشر، وكانت في البداية تُسمى "باذنجان إفرنجي" ولم تحظَ بسمعة جيدة بسبب ما أُشيع عن تسبّبها بالأمراض ولذلك انتشرت فتاوى تُحرم أكلها، ولكن كل هذا لم يلبث حتى تلاشى مع النصف الثاني للقرن التاسع عشر وتحديدًا في عام 1885 م.

ومن دلائل وقوع أجدادنا في حُب البندورة، تجفيفهم لها لتبقى معهم إلى الشتاء، فهي تُعد من الثمار الصيفية، وبعض أهل بلاد الشام حضرّوا منها مُربى "تطلة البندورة"، ومنهم من صنع من حبَّاتها الخضراء المُخللات الشهية.

ولكن أشهر ما صُنع ويصنع منها حتى يومنا هذا هو ما يُسمى "رُب البندورة"- أحد أهم أعمدة بيت المونة في بلاد الشام وبخاصة في فلسطين.

ومع هجرة الكثير من العائلات لصناعة رُب أو دبس البندورة لنفسها بنفسها كما كان يحصل دائمًا، فإن رُب البندورة يُباع اليوم منتجًا فاخرًا وأسعاره ليست رخيصة ويُمكن أن يصل سعر المرطبان (وزن 700 غرام) حوالي 50 شيقل وأكثر.

 وتختلف الأسعار باختلاف طريقة التحضير، ولكن من أراد تجربة "بندورة البطوف" يُمكنه أن يوصي عليها من "محلبة البان البركة"، فهم يسوّقونها إلى جانب أجبان وفريكة البطوف في متجرهم في مدينة شفا عمرو.

صفوريّة "أم الملوخيّة والرُمان" 

من البطوف وحكاياته، ننتقل إلى صفورية.. عند بسطة "زيد بركة" وهي واحدة من عدّة بسطات تنتشر على أطراف أراضي قرية صفورية المُهجرة، وتعد واحدة من أكبر القرى الجليلية التي هُجّر أهلها في النكبة، ومع ذلك استطاع جزء من أهلها العودة إلى أراضيهم لزراعتها والتي اشتهرت قديًما بالصبر والرُمان والباذنجان والملوخية.

وأكثر من يزور بسطاتها اليوم، هم من يبحثون عن "الخضار البلدية" وعلى رأسها الملوخيّة.

وينظر أهل هذه القرية إلى ملوخية صفورية بأنها "علامة تجاريّة فاخرة"، حتى أن الصفوّري يرى بأن "ملوخيته" هي الأفضل على مستوى العالم" وهذا ما يستفز بعض قرى فلسطين، فالمنافسة على "لقب أفضل ملوخية" لا تختلف كثيرًا عن المنافسة بين برشلونة وريال مدريد على بطولة الدوري الإسباني، أو دورتموند وميونخ على الدوري الألماني.

 والمنافسة تكون على أشدها بين "صفوريّة" و "صندلة"، فالنقاش بين أهل القريتين لم ولن ينتهي (إلى يوم الدين) كما يبدو.. والأجمل حين ينضم أهالي "سعسع" المُهجرة أو أ"ريحا" وكفر دان" و"رفح" ويزعمون أن "ملوخيّتهم" هي الأفضل!

في زياراتي لصفورية، سألت نفرًا من أهاليها كانوا يستمتعون بالنسيم العليل عند عين القسطل، عن "سر ملوخيتهم" فكانت معظم الإجابات تتمحور حول "مَيّة النبعة" الصافية التي تُسقى بها و"الورقة العريضة".

الحقيقة التي لا بُد ذكرها، أن ملوخية صندلة، استطاعت أن تحقق انتشارًا واسعًا وبلغت سمعتها معظم مناطق الداخل الفلسطيني، وتعد اليوم "علامة تجارية فاخرة" إلى درجة أننا وجدنا شركة بذور إسرائيلية تبيع كيسًا صغيرًا (100 بذرة) من بذور ملوخية صندلة بعشرة شواقل.

عشق أهالي صفوريّة للملوخية ليس عاديًا.. فبعض العائلات تطبخ الملوخية أربع مرّات أسبوعيًا، وبالتالي فإن الملوخية تحتل مكانة رفيعة في بيت المونة لديهم، ومن زار بسطات صفوريّة في عز الموسم يُمكنه أن يعثر عليها بأسعار مغرية غالبًا.

 

أما رمانها..

قبل أن نغادر صفوريّة، لا بد أن نذكر بأنها اشتهرت أيضًا بالرمان الصفوري فكثيرًا ما كان يُسمع الباعة في الناصرة وحيفا وهم يُنادون "صفوري يا رمان، صفورية يا ملوخية".

 ومرة أخرى، يُصر أهالي صفوريّة أن رمانهم ليس ككل الرمان، ومنهم من يتحدى بأن رمانهم أفضل من رمان قرية كفر كنا (قانا الجليل) علمًا بأن رمان الأخيرة حظي بقصيدة من الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، وعمومًا فإن في فلسطين 32 موقعًا تأثرّت تسميتها بهذا الشجر مثل أم رمانة، فروش رمانة، خلّة ابو رمان، تل الرمان ووادي الرمان كما يذكر الباحث شُكري عرّاف في كتابه "مصادر الاقتصاد الفلسطيني".

هذا الولع الفلسطيني بالرمان، جعل أجدادنا خبراء بأصنافه الكثيرة ولكنهم اعتنوا بأصناف محددة منه مثل الملّيسي والبغّالي والحامض واللفّاني والهاجوجي، وهو أفضلها كما ينقل الباحث حسين علي اللوباني في كتابه "معجم النباتات في التراث الشعبي الفلسطيني".

كما يُشير إلى أن أجدادنا صنعوا من الرمان شرابًا وأكلات مثل "الرُمّانية" أو "حساء حبّة الرمّان" والتي تتكون من باذنجان وعدس وحب رُمان وعصير ليمون حامض وطحين وثوم وسمن وزيت سيرج.

إلى جانب ذلك كانت قشور الرمان تُستخدم صبغة في دباغة الجلود كما أنها اُستخدمت علاجًا ضد آلام المعدة.

 ومن عجائب أمرهم مع الرمان، اعتقاد الأجداد بأن الحامل إذا طلبت الرمان "في وحامها" وجب على أهلها تأمينه وإلا ظهرت علامة رمان في جسم المولود، وبالتالي كان لا بد أن يحفظوه لديهم طيلة العام، إما بتحويله إلى مُربى مثلًا أو حتى دبس الرمان، وهو واحد من أكثر منتجات المونة انتشارًا حتى يومنا هذا، وما زالت بعض البيوت تصنع دبسها بنفسها، فحتى في المتاجر والحوانيت، نادرًا ما تدخل حانوتًا فلا تجد دبس الرمان، ولكنه غالبًا ليس من رُمان صفورية ولا كُفر كنّا يا للأسف!

دبس خروب حِيفاوي

من صفورية ننتقل إلى حيفا، التي نُكبت الكثير من أراضيها الزراعية وتحولت إما لمستوطنات أو أحراش صنوبر غالبًا، وبالتالي اختفت الكثير من ملامح الفِلاحة الكرملية ومعها الكثير من المعارف التراثية الزراعية، مثلاً ملامح وحكايا القمح الذي – حسب ما ورد عن الأساطير المصريّة القديمة - عُرف للمرة الأولى في فلسطين وتحديدًا في جبل الكرمل. 

الخروب كان في حالة حيفا والكرمل أكثر صمودًا من غيره، فقد صمد مع كُل الظروف والتغييرات وما زال يُحتفى به في موسم الخروب، ويحظى باهتمام خاص عند ثلّة منهم، لتحافظ هذه الفئة على علاقتها مع أشجار الخروب وترصد مواقعها وتُعنى بأخبارها وأصنافها الملائمة لصنع دبس الخروب الطبيعي منها، وفقًا للطرق التي توارثوها عن أجدادهم.

فقد اشتهرت بلاد الكرمل بالخروب منذ أيام الرومان، بالأخص منطقة تل السمك ( شيكمونا) في حيفا، وفي القرن التاسع عشر كانت طيرة حيفا من أغنى المناطق بالخروب، أما اليوم فقد قلَّت أشجار الخروب بشكل ملحوظ، ومع ذلك فهي حاضرة في منطقة وادي عميق، وادي السيّاح ووادي كفر سمير، ومما ساعد الخروب في صموده على مر الزمان، أنه ليس ملائمًا للتحطيب كما أنه أكثر مقاومة للنار والحرائق!

ومع أن الجاهل بالخروب قد يرى القرون كُلها متشابهة، إلا أن عُشاقه ورواد أشجاره يعرفون أصنافه ومميزاته، فهناك خروب جوّي وآخر بري، وهناك مسميات لأصنافه مثله الصندلاوي، والخباطي، والسمار، والشيخاوي، وهو الذي يدخل في إعداد الحلويات غالبًا، لكن يبقى الصندلاوي هو الأكثر حضورًا عند أهل حيفا وفي حلوياتهم المميزة.

وإضافة إلى دبس الخروب والخبيصة، هناك حلوى فريدة تشبه إلى حدٍ بعيد "البانكيك"، وهي عبارة عن عجين تُحضَّر منه أقراص صغيرة توضع في دبس الخروب، تذوّقناها عند خبير الخروب في وادي النسناس، علاء قدورة الذي يجمع ويوثق كل ما سمعه وعرفه عن خروب حيفا من جدته التي عاشت في وادي السيّاح، وهي من أغنى مناطق حيفا بالخروب، كما أنه يصنع دبس الخروب على طريقتها وطرق أخرى يبتكرها بنفسه، فينتقي الأشجار التي يقطفها بعناية ويدمج بين أصنافها المختلفة، كي يصنع أفضل بانكيك خروب حيفاوي!

حتى القِدور التي يُحضر فيها دبس الخروب في حيفا لها حكاياتها، ففي حي الكبابير وعند عائلة عودة، يُحضَّر دبس الخروب بقِدر قديم من زمن العثمانيين عُثر عليه في جبل الكرمل في عام ١٨٩٠.

من جنين .. مُونتك لبيتك

من حيفا، ننتقل إلى جنين، وهذه المرة لن نتحدث عن "بطيخ جنين" و"فريكتها" ولكن عن مُبادرات شبابها في إيصال "المونة البيتية الفلسطينية" إلى كُل مكان في فلسطين، فمشروع "مونة البيت" الذي يتخذ من رام الله مقرًا له، تُحضَّر الكثير من منتجاته على أيدي "فلاحات جنين"، إذ تُسوَّق وتصل حتى الجليل والجولان.

مشروع "مونة البيت" هو واحد من مشاريع فلسطينية عدة، تتسابق في تسويق المُنتج الفلاحي الفلسطيني بأساليب مبتكرة تُلائم متطلبات ومعايير جيل جديد من الأزواج يبحث عن مُنتج بلدي وبجودة عالية وسعر مقبول، في مُحاولة لتذوق شيء من "الطعم الأصيل" الذي يُفتقد في "السوبر ماركت" كطعم الزعتر البلدي والمُخلل الربيعي والبندورة "ع الحطب" والمكدوس المحشي بعناية فائقة، وحسب إفادة القائمين على المشروع، فإنه المُنتج الأكثر طلبًا.

أهمية هذه المشاريع، لا تكمن في "استعادة الطعم الأصيل" فقط، وإن كان هذا مُهمًا وضروريًا في عصر "عولمة الأطعمة والأذواق"، بل تزداد أهميتها في أن أكثرنا اليوم نشتري طعامنا من الشركات الكبرى و"حيتان السوق" وننسى المصالح الصغيرة التي تقدم منتجات قد تُضاهي في جودتها كبرى الشركات.

وعلاوة على هذا، فإن هذه المصالح تُشغّل عدداً لا بأس به من أهلنا من المزارعين وصغار المنتجين كالنساء اللاتي يعملن من بيوتهن بشروط أكثر عدلاً من تلك التي لدى "حيتان السوق".

رام الله واقتصاديات "سوق الفلاحين"

على سيرة حيتان السوق، فإن الكثير من المُبادرات اليوم، في فلسطين والعالم، تُعنى بالتعريف بضرورة العودة للاستهلاك المحلي و"الأخلاقي" من أجل تحقيق الاستدامة.

في رام الله، زُرنا "سوق الفلاحين" الذي تُنظمه مُبادرة شراكة كل صيف، حيث التقينا هناك مع "أبو عمر" و "أم عمر" من قرية ترمسعيا، وهُما من أعلام أسواق الفلاحين في رام الله، إذ يبيعون هناك ما تجود به أرضهم من خيرات، ابتداء من مخلل الفقوس ومرورًا بالفريكة وانتهاء بمربى الصبر والتين.

وفي حديث مع أبو عُمر عن الجدوى الاقتصاديّة للعمل في الزراعة، أكد لنا أن هذه الجدوى موجودة بالفعل ولكنها تختلف من محصول لآخر، فمثلًا في زراعة القمح الجدوى ليست عالية ومع ذلك يُمكن لبيع القش وحده أن يسدد كُل مصاريف الزراعة، وتبقى الأرباح من المحصول.

 بينما في الفقوس فإن الجدوى تكون أعلى وتزداد بشكل أكبر إذا ما صُنّع منه مُخللات تباع في السوق مباشرة للمستهلكين. ويؤكد أبو عمر أسفه على الوقت الذي قضاه في أعمال صعبة في مجال البناء، بينما لو أنه لو عمل في أرضه قبل ذلك، لكن ذلك أجدى له، كما يرى.

خُبراء كُثر، يؤكدون اليوم بأن ربح الفلاح من تسويق منتجات أرضه بنفسه من التسويق المباشر وأسواق الفلاحين وغيرها من طرق التسويق التي تندرج في مجال الزراعة المدعومة مجتمعيًا (CSA) يُمكن أن تحقق للفلاح ربحًا أكبر بكثير، بدلًا من أن يتقاسم الأرباح مع "سماسرة السوق"، ويُمكن أن تصل الزيادة في الأرباح إلى 50% إن لم يكن أكثر.

الخليل ..  العنب يُصارع الإحتلال!

من رام الله ننتقل إلى الخليل، بلاد العنب، وهي البلاد التي نادرًا ما تجد من زار فلسطين ولم يزرها، في حين أن الكثير من الشباب لا يعرفون الخليل وتاريخها وواقعها الصعب، الذي يُمكن لــ "قنينة" من "دبس العنب" أن تشرح لنا شيئًا عن هذه العلاقة المُعقدة.

كيف؟ هذه المرة لن نشتري "دبس العنب" من أي مكان، بل سنقصد البلدة القديمة الواقعة على حدود الحرم الإبراهيمي وفي الطريق سنمر قرب متجر يبيع التحف التراثية، جرار فخاريّة بُسط وغيرها من التُحف التي يُصنّعها عدد من أصحاب الحِرف في الخليل، وتُسوَّق في هذا المتجر لدعم صمود الحرفيين.

بدر التميمي، رئيس تجمع الحرف التراثية السياحية في الخليل، استقبلنا في المتجر وراح يجيب عن أسئلتنا التي دارت حول حكايا سوق البلدة القديمة، وسر إغلاق الكثير من المحلات أبوابها، وأحوال السوق والاستيطان فيه.

فمعظمنا يجهل مثلًا، أن الحرم الإبراهيمي ليس بأيدي المسلمين اليوم، وأن ٦٠ ٪ من مناطق الحرم تسيطر عليها جماعات يهودية ولا يحق لنا نحن المسلمين دخولها إلا في الأعياد ومناسبات خاصة، وبالتالي لا نستطيع الاقتراب من مقام سيدنا يوسف ويعقوب عليهما السلام، وأن كل هذا حدث بعد مجزرة فظيعة حصلت في صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي عام ١٩٩٤ ارتكبها الإرهابي "باروخ جولدشتاين"، وهو ينتمي إلى تيار "كهانا" -نفس التيار الذي ينتمي إليه بن غفير وجماعات النواة التوراتية- التي تتوغل اليوم في يافا واللد.

التميمي، حدَّثنا أيضًا عن المحاولات الحثيثة لإعادة إعمار البلدة القديمة وأسواقها التي دُمرّت بسبب الاستيطان والاحتلال، وكيف أن هناك مؤسسات تتبرع لأصحاب المحلات بأجرة الوصول للمحلات (٢٠٠ شيقل شهريًا) وذلك جراء سوء الوضع الاقتصادي في البلدة القديمة، إذ يُمكن أن يقضي صاحب المحل يومًا كاملًا دون أن يجمع أجرة الوصول لمحله وهو ما يفسر إغلاق الكثير من المحال أبوابها.

المؤسف أكثر، أن الكثير من هذه المحلات تبيع مُنتجات لها تاريخ عريق جدًا، فهناك مصنع لراحة الحلقوم عُمره أكثر من 150 عام، وكثير من المحلات التي تبيع منتجات شعبية مختلفة من ضمنها مُنتجات تُصنَّع من العنب، أشهرها الزبيب والمَلبن والدبس، فضلًا عن منتجات أخرى عديدة، مثل خل العنب، ومربى العنب، و"شدّة العنب".

في الخليل، حسب قول التميمي، هناك 12 صنفًا للعنب، ولكل عنب ميزته، فهناك صنف يبقى حتى شهر شباط، وأصناف ممتازة للتصدير، وهناك مناطق يُعد العنب فيها أفضل من غيره مثل الذي يُقطف من منطقة "البويرة" ويصل وزن القطف منه إلى 3 كغم (رطل).

كعادته العنب الخليلي، يأبى إلا أن يذكرنا بالاحتلال والاستيطان، فالكثير من أراضي البويرة قامت على أراضيها مستوطنة كريات أربع، هذا غير قيام المستوطنين كُل فترة بقطع عدد من أشجار العنب وتخريب الكروم، مما يؤثر بشكل كبير على اقتصاد العنب الخليلي.

فكرة العودة إلى المُنتج البلدي وتحديدًا إلى طعام المونة، يُمكن أن تكشف لنا الكثير عن موروثنا الزراعي، بكل ما يحمله من حكايا تاريخية وجغرافية وقيميّة.

فعنب الخليل يُذكرنا بالصراع مع الاحتلال والاستيطان، وفكرة سوق الفلاحين في رام الله تمنحنا شيئًا من الأمل في المستقبل واقتصاديات "الزراعة المدعومة مجتمعيًا".

ثم فوق هذا، نجد المبادرات التي تأخذ مُنتجات مونة فلاحات جنين إلى الجليل والجولان، ثم نجد شيئًا من الفخر بالتمسك بـــ "موسم الخروب" في حيفا كما الفخر بالتمسك بتراث الملوخيّة في صفوريّة.

 والمثير أكثر، التمسك ببذور البندورة البلدية الأصلية في مرج البطوف وسهل كفر كنا وطرعان.. هذه الحكايا هي جزء من ألف حكاية وحكاية لم تُسرد بعد عن موروثنا الزراعي.

 هيا بنا إلى رحلة ممتعة في بلادنا، نبدؤها بمرج البطوف في الجليل ونختمها بسوق البلدة القديمة في الخليل.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر شبكة راية الإعلامية.
Loading...