لماذا أشتكي ويشتكون ؟!!
الكاتب: حازم بعلوشة
رايه نيوز: إنها الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أجلس على الأريكة في غرفة الجلوس: أمامي شاشة التلفاز، بجانبي سجائري "مصرية الهوية"، ومنفضة مليئة بأعقاب سجائر أخرى، الضجيج المرتفع يهز أركان المكان قادماً من مولدات الجيران الكهربائية، ورائحة البنزين تزكم أنفي - لا لا.. أنا مخطئ، لانني قد اعتدت عليها منذ أيام رغم تذمري...الآن أنا أشكو من جديد، ولكن لماذا أشكو؟ ولماذا يشتكي الآخرون؟، ومعظمهم يملكون مولدات كهربائية تنير ما يريدون، والوقود في متناول الجميع..أما إذا كانوا يفضلون العتمة بسبب مخاطر المولدت أو قلة الدخل، فالانقطاع التيار الكهربائي فوائد ايجابية، إذ يجمع أفراد العائلة في مجلس واحد يتسامرون ويتبادلون أطراف الحديث، ما يعزز الأواصر، أو يدفع بهم إلى تشجيع السياحة الداخلية بخروجهم في صيف نهاره وليله يفيضان حرارة إلى التنزه خاصة على شاطئ البحر أو الحدائق العامة.
لماذا يشتكون؟ هل لأن هناك انقسام في الصف الفلسطيني أم لأننا نملك حكومتين على غير سكان العالم؟ لماذا لا ينظرون إلى الأمر بإيجابية أكثر؟، فمعظم أفراد الشعب باتوا موظفين حكوميين، ومن كان لا يملك راتب أو دخل أصبح يملكه الآن، وأتباع كل طرف يحصلون من مشغليهم على المال الذي يكفيهم لشراء لوازمهم. الحكومتان تتنافسان في إيجاد المشاريع الحيوية من أجل الحصول على أكبر قدر من التأييد، وبالتالي المواطن هو المستفيد..
فلماذا يشتكون؟..
هل لأن قيادتنا تعمل بكل جهد ممكن من أجل توفير الراحة ومشاركة الناس همومهم، والتقرب منهم، فالقيادة تلعب كرة القدم، وتتناول البوظة، وتلبس نفس الـ"T - Shirt" ونفس القبعات التي يرتديها مواطن الشارع العادي، حتى أنها تشاركهم نشاطاتهم المتنوعة ضد المحتل.. ولا نكاد نسمع أي نقمة منهم على الشعب.
لماذا يشتكون؟ فلسطين أصبحت في قبضة أيدي أمينة تعرف كل صغيرة وكبيرة، تحاول أن تحافظ على أمنها وأمانها وتخاطب كل الشعب على أساس أنهم عملاء- لكن ما الضير في ذلك؟!، إن كان الأمر يتعلق بمصلحة المواطن وبإسم الوطن؟!.
لماذا يشتكون؟ أينما ذهبت أو تجولت في شارع أو مقهى تسمع الناس تتحدث بكل حرية، تناقش وتنتقد الجميع من أكبر رأس إلى أصغر قدم، دونما أي تضييق أو تقييد لحرية التعبير..فالسجون فارغة في الضفة وغزة الا من الجنائيين!!، وتستطيع أن تسمع وتشاهد وسائل الإعلام والدليل على ذلك، انك تجد جميع الصحف بألوانها المختلفة في المحال التجارية، كذلك الامر مع الاذاعات والفضائيات تعبر بكل وضوح وحرية - حتى أن بعضها يختلق الأخبار والأحداث دون قيود، ودون مصادرة للرأي، فحرية الرأي مكفولة قانوناً وعرفاً .. حتى أنا لم يصلني أي استدعاء قط، أو عبر لي أحد بحسن أو سوء نية عن تذمره، طيلة فترة كوني صحافيا حتى كتابتي لهذا المقال..؟! بل يكتفون "باستضافات" في اطار الزمالة..!!
لماذا يشتكون؟ فالطب والمستشفيات في فلسطين في تقدم مستمر.. ألا نشاهد أو نسمع بشكل شبه يومي عن عمليات طبية تجرى لأول مرة في فلسطين؟ والناس مجرد أنها تتهافت على دائرة العلاج في الخارج من باب الترف، فالهدف من الحصول على التحويلات المرضية أن تكون رحلات ترفيهية سواء إلى إسرائيل أو مصر..!!
لماذا يشتكون؟ كل شيء تقريباً متوفر.. ولا تكاد تدخل متجراً إلا وتجد البضاعة المستوردة وبالماركات العالمية وحتى الإسرائيلية منها وبجودة عالية لا تجدها في كثير من الدول العربية المجاورة على الأقل، والبضاعة الفلسطينية لا وجود لها..
لماذا يشتكون؟ فالفقراء من الفلسطينيين أفضل من فقراء العالم..!! والمفاضلة هنا ليست من باب السخرية!! انهم يحصلون على المساعدات الإغاثية من مؤسسات محلية، وعربية ودولية، تسد رمقهم وأكثر، في حين أننا نجد فقراء العالم لا يجدون كسرة خبز أحياناً، أما العاطلون عن العمل فهم أفضلهم تعطلاً في العالم فرغم أن نسبتهم تجاوزت الأربعين في المائة، إلا أنهم يحصلون على وظائف عدة في برامج خلق فرص العمل تنفذها الكثير من الهيئات والمؤسسات، وهذا غير متوفر في مصر مثلاً..
لماذا يشتكون؟ لو ذهبنا إلى شاطئ البحر نجد آلاف الناس يتنزهون ويسبحون في البحر "الأبيض" المتوسط، ولو أجرينا جولة على المقاهي والمطاعم والمنتجعات السياحية والملاهي لا تكاد تجد موطئ قدم بالرغم من ارتفاع أسعارها..!!
لماذا يشتكون؟ فمؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية تعمل ليل نهار من أجل رصد وتوثيق كل الانتهاكات التي تمارس ضد المواطن الفلسطيني، وكذلك تصدر البيانات المنددة والمستنكرة، ومشددة على كرامة الفلسطيني..!!
لماذا يشتكون؟ لدينا فصائل وأحزاب وتجمعات ومؤسسات تتوافق مع كل الأذواق وكل المشارب .. حتى لو كنت مستقلاً فهناك خيارات عدة....، وكلها تعمل ليل نهار من أجل الدفع باتجاه تحقيق الآمال الفلسطينية بالتحرير والاستقلال.. فتعقد الاجتماعات، والمؤتمرات، والندوات وورش العمل، من أجل إثراء التنمية في فلسطين..
لماذا يشتكون؟ ألا يكفينا أن نكون مصنع أخبار العالم... أليست الشكوى لغير الله مذلة؟!، فلماذا أشتكي، ويشتكون؟!