ماذا يحدث داخل حماس؟.. صحيفة تكشف تفاصيل الأزمة الأكبر في تاريخ الحركة

تواجه حركة "حماس" واحدة من أصعب الفترات في تاريخها، التي تبدو الأشد منذ تأسيسها عام 1987، بعد الهجوم الكبير على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 وما تبعه من رد إسرائيلي قاسٍ.
ولا تتوقف أزمة "حماس" على قطاع غزة فقط، بل تصل إلى الضفة الغربية والخارج، ولا سيما لبنان، حيث تواجه الحركة تحديات جسيمة على هذه الجبهات الثلاثة، خاصة فيما يتعلق بالواقع الاقتصادي والأمني، في حين تشهد غزة أزمات إدارية حادة وتراجعاً ملحوظاً في التأييد الشعبي لـ"حماس".
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر داخل "حماس" وخارجها، لصحيفة "الشرق الأوسط"، أن هذه الأوضاع التي تعيشها الحركة لم تمر بها من قبل، سواء في هذه الحرب الحالية أو في فترات سابقة، حتى في ظل الملاحقة الإسرائيلية والاعتقالات التي تعرضت لها في التسعينات، رغم أن "حماس" آنذاك لم تكن تملك نفس القوة الشعبية والسياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتمتع بها اليوم.
أزمة مالية خانقة وضغوط اقتصادية
على المستوى الاقتصادي، تواجه "حماس" ظروف قاسية بسبب تأمين رواتب موظفيها الحكوميين في غزة، علاوة على رواتب نشطائها في "كتائب القسام" الجناح العسكري، وكذلك العاملين في الأجهزة الأخرى التابعة لها.
كما أوضحت "المصادر"، أن الموظفين التابعين لحكومة "حماس" في غزة لم يتلقوا سوى مبلغ 900 شيكل فقط (ما يعادل نحو 250 دولاراً) خلال الأشهر الأربعة الماضية، مما أثار استياءً واسعاً وزاد من معاناة الموظفين وأسرهم التي باتت تجد صعوبة في تأمين أبسط مقومات الحياة.
وأردفت "المصادر"، أن الموازنات الخاصة بالعمل الاجتماعي والخدماتي للعديد من الوزارات الحكومية قد توقفت، لاسيما لجان الطوارئ، منذ أكثر من 4 أشهر، مما عرقل بشكل كبير أداء الجهات الخدمية في غزة، ودفعت وزارات مثل الصحة والتنمية الاجتماعية إلى الاعتماد الكلي على دعم المؤسسات الدولية لتوفير الوقود والاحتياجات الدوائية للمواطنين.
ولفتت "المصادر"، إلى أن "كتائب القسام" فلم تصرف رواتب لعناصرها منذ نحو ثلاثة أشهر، وتعاني بشدة في تأمين أموال لشراء المستلزمات العسكرية الأساسية، أما عن عوائل الشهداء من نشطاء الحركة وأسرى وجرحى "حماس"، فإنهم لم يتلقوا رواتبهم بانتظام، على عكس الفترة التي تلت اندلاع الحرب، مما زاد الوضع تعقيداً، خاصة أن بعض هذه العائلات تعتمد بشكل كامل على تلك الرواتب التي توقفت منذ أكثر من شهرين ونصف.
فراغ إداري وضغوط أمنية
وفي السياق ذاته، أوضحت "المصادر"، أن غزة تشهد فراغاً إداريًا واضحًا في كثير من المهام الحكومية، حيث تواجه "حماس" صعوبات كبيرة في ملء هذا الفراغ بسبب استهداف إسرائيل المتكرر لكل شخصية تحاول تنظيم أو تحسين سير العمل الحكومي أو إعادة ترتيب الوضع الإداري.
وأضافت "المصادر"، أن هذا الواقع ينطبق كذلك على المستوى التنظيمي في بعض المناطق داخل القطاع، بينما يظل الجناح العسكري محافظاً على هيكليته الإدارية رغم الضغوط والملاحقات المستمرة، لاسيما في شمال وجنوب القطاع حيث تزداد عمليات الاغتيالات والاعتقالات الإسرائيلية.
تراجع شعبي غير مسبوق داخل غزة
وتجدر الإشارة إلى أنه بعد مرور عام على اندلاع الحرب، تراجعت شعبية "حماس" داخل قطاع غزة بشكل ملحوظ، وأصبح السكان يوجهون إليها الانتقادات بشكل علني، بل وصل الأمر إلى مهاجمة عناصر الحركة وإطلاق النار عليهم، وهو مشهد غير مألوف لم يحدث طوال سنوات حكمها المتواصل منذ 2006.
الوضع في الضفة الغربية
فيما تعاني "حماس" من واقعاً معقداً في الضفة الغربية، في ظل تصاعد الاعتقالات والملاحقات من قبل السلطات الإسرائيلية والأجهزة الأمنية الفلسطينية، مما أدى إلى فقدان الحركة للعديد من خلاياها وأموالها، خاصة تلك التي كانت مخططة لتنفيذ هجمات ضد المستوطنين أو القوات العسكرية.
وعلاوة على ذلك، أدى الوضع المأساوي في غزة إلى تراجع شعبية الحركة في الضفة، وسط تهديدات إسرائيلية مستمرة بتحويل الضفة إلى نسخة مشابهة من غزة، مع تكثيف العمليات العسكرية في مخيمات اللاجئين شمال الضفة.
تحديات "حماس" في لبنان
وفي الخارج، لا تواجه "حماس" أي أزمات مالية أو إدارية كبيرة، إلا أن وضعها في لبنان تغير بشكل كبير بعد وقف الحرب في نوفمبر الماضي، حيث تواجه تحديات سياسية وميدانية ومالية معقدة، في ظل سياسة السلطة اللبنانية الجديدة التي تشدد على جمع السلاح الفلسطيني وتفرض قيوداً صارمة على أي نشاط قد يؤثر على الأمن القومي اللبناني.
وفي ظل هذه الظروف تضع "حماس" أمام تحديات جسيمة في كيفية إدارة سلاحها ووضعها السياسي والمالي في لبنان في المستقبل القريب، وسط تزايد الضغوط والتضييقات
والجدير بالذكر أن "حماس" قد تعرضت لضربات قوية وملاحقات من إسرائيل والسلطات الفلسطينية وحتى بعض الدول المضيفة على مدار عقود، إلا أنها لم تصل إلى هذا المستوى من التعقيد والصعوبة، خصوصاً مع استمرار الحرب التي تجاوزت 20 شهراً.
وأكدت مصادر من "حماس"، أن هذا الوضع كارثي للغاية، لكنها أعربت عن ثقتها في قدرة الحركة على النهوض مجدداً بعد توقف الحرب، رغم أن ذلك سيحتاج إلى وقت طويل، مع الإشارة إلى أن لديها بعض القدرات المالية والإمكانيات، لكنها مجبرة على التعامل مع واقع أمني صعب يفرض قيوداً كبيرة على تحركاتها وأدائها.
الشرق الأوسط