توصيات لإصلاح القضاء
خاص| نحو نصف مليون قضية وجهاز قضائي محدود.. أين يقف القضاء الفلسطيني؟
في ظل ما تعانيه المؤسسات الفلسطينية من أزمات متشابكة، يبقى القضاء أحد الأعمدة المركزية التي تحدد مدى استقرار الدولة وقدرتها على بسط العدالة.
وفي حديث خاص لــ"رايــة"، تحدث رئيس المكتب الفني للمحكمة العليا رائد عساف حول التحديات التي تواجه القضاء الفلسطيني، من نقص القضاة وضعف البنية التحتية، إلى غياب الاستقلال المالي والإداري، وسط تراكم غير مسبوق في أعداد القضايا وتعثر في الإجراءات، الأمر الذي يعكس أزمة عدالة حقيقية.
الجهاز القضائي يئن تحت الضغط
"صلح القضاء هو صلح البلد في أي مكان"، بهذه العبارة بدأ القاضي رائد عساف في حديثه لراية، مؤكدًا أن القضاء هو السلطة الثالثة في الدولة، ومن يقدّم خدمة أساسية لتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع.
وأضاف: "إذا كان هناك قضاء مستقل، سيكون هناك اقتصاد قوي وأمان واستقرار، وهذا ما يسعى إليه دائمًا القضاء الفلسطيني، رغم ما تعرض له من معيقات على مدار السنوات الماضية، وهي معيقات شعر بها كل مواطن فلسطيني."
أشار المتحدث إلى نقص الكفاءات قائلاً: "الجهاز القضائي يتكوّن من 247 قاضيًا، منهم 35 قاضيًا في محاكم التسوية، و16 قاضيًا في الإدارات القضائية، أي أن أقل من 200 قاضٍ فعليًا ينظرون في القضايا داخل المحاكم."
هذا العدد يواجه عبئًا ضخمًا يتمثل في 96,139 قضية منظورة، بالإضافة إلى 391,136 قضية تنفيذية، ما يعني أن العدد الإجمالي سيصل إلى حوالي 400,000 قضية مع نهاية الشهر.
ضعف البنية التحتية والتشريعات القديمة
بيّن المتحدث أن البنية التحتية للمحاكم متهالكة: "الكثير من مقار المحاكم مباني مستأجرة، كمبنى محكمة رام الله الذي لا يصلح للتقاضي، سواء من حيث المساحة أو البنية."
وأضاف: "المصعد لا يتسع لأكثر من خمسة أشخاص، وغالبًا ما يكون معطلاً، وتوصيات وزارة الصحة والدفاع المدني تؤكد وجود خطر صحي وبيئي."
أما على صعيد التشريعات، فأشار إلى أن بعض القوانين تعود إلى أعوام 1945 و1950 وحتى إلى العهد العثماني. "نحن بحاجة إلى تجديد شامل، وليس مجرد تعديل، فنطبق الآن قوانين تعود للانتداب البريطاني، وأوامر عسكرية إسرائيلية."
الرقمنة والدفع الإلكتروني
رغم كل التحديات، أحرز مجلس القضاء الأعلى تقدمًا عبر برنامج "الميزان الإلكتروني"، الذي يضم أكثر من 700,000 مستخدم، ويتيح متابعة القضايا إلكترونيًا. كما تم إدخال نظام الدفع الإلكتروني بالتعاون مع سلطة النقد.
شهادات المواطنين والتفاعل المباشر
وفي حلقة خاصة من برنامج مع الناس على إذاعة راية، نُوقش ملف القضاء الفلسطيني بحضور قاضي المحكمة العليا ورئيس المكتب الفني للمحكمة العليا، القاضي رائد عساف، الذي أجاب على أسئلة الجمهور وعلق على آراء المواطنين التي وردت في تقرير مصوّر أعده الزملاء.
قال عساف: "القضاء ليس قطاعًا اقتصاديًا بل هو قطاع خدماتي يقدم خدمة لا يمكن لأي جهة أخرى أن تقدمها."
وأضاف: "في موضوع الرضا، لا يمكن أن يحصل القضاء على نسبة رضا تفوق 25%، لأن 50% من المتقاضين خاسرون حتمًا، أما النصف الآخر فليس بالضرورة أن يحصل على كامل مطالبه."
وعن الانتقادات المتعلقة بالمحسوبية، شدد عساف على أن هذا الاتهام "كلمة خطيرة تؤثر على ثقة المستثمرين وسمعة فلسطين في المحافل الدولية"، مؤكداً أن القضاء الفلسطيني منفتح على الرقابة المجتمعية، وأن المحاكم مفتوحة أمام الإعلام.
أسباب تأخر القضايا وتوقف المرفق القضائي
وحول تأخر البت في القضايا، أوضح عساف أن تراكم القضايا يعود لأحداث السنوات الماضية: "منذ العام 2020 واجهنا تعطيلات بفعل جائحة كورونا، ثم الإضرابات، ثم ظروف الحرب، وأخيرًا توقف العمل القضائي لستة أشهر بسبب إضراب نقابة المحامين."
وأضاف: "لا يجوز تعطيل مرفق القضاء بحجة الأوضاع الاقتصادية، فكما لا نغلق المدارس والمستشفيات، لا يجب إغلاق المحاكم."
غياب الإرادة السياسية والتحديات التنفيذية
وعن غياب الإرادة السياسية للإصلاح، أكد عساف أن المستوى السياسي داعم للقضاء، وقد شكّل مجالس ولجان لتطوير قطاع العدالة، لكن الإشكالية تكمن في الجهات التنفيذية التي لا تنفذ المطالب القضائية، متذرعة بالأزمة المالية.
وطالب بـ الاستقلال المالي والإداري للقضاء، قائلاً: "نحن سلطة قضائية ولسنا وزارة تابعة للحكومة، ويجب أن نحظى بخصوصية في الموازنة لحساسية عملنا."
التوصيات النهائية لإصلاح القطاع
في ختام الحلقة، قدّم القاضي رائد عساف عددًا من التوصيات، أبرزها:
تعديل قانون الإجراءات الجزائية لتسريع التقاضي.
توحيد التشريعات والخروج من حالة التداخل بين قوانين العهد العثماني والبريطاني والأوامر العسكرية.
تعزيز الرقمنة لتسريع الإجراءات وتسهيل وصول المواطنين إلى العدالة.
توفير الدعم المالي لتوظيف قضاة وموظفين إداريين جدد.
بناء محاكم جديدة بدلاً من الاستئجار بمبالغ طائلة.