قضايا في المواطنة
خاص | أزمة رواتب الموظفين الحكوميين بين الواقع والحلول

خاص - راية
سلّط برنامج "قضايا في المواطنة"، الذي يبث عبر إذاعة "راية"، الضوء على واحدة من أبرز القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تؤرق الشارع الفلسطيني: أزمة رواتب الموظفين الحكوميين، وما يرافقها من تعقيدات مالية ومعيشية أثّرت على أداء القطاع العام وعلى قدرة المواطنين في الوصول إلى الخدمات الأساسية، خصوصًا في ظل الاقتطاعات الإسرائيلية المستمرة من أموال المقاصة.
د. أسامة النجار رئيس اتحاد نقابات المهن الصحية في فلسطين
في بداية مداخلته، أكد د. أسامة النجار أن ما يجري داخل وزارة الصحة ليس إضرابًا عامًا، بل هو إضراب إداريين فقط، فيما باقي الموظفين يعملون بنظام تقليص دوام. لكنه شدد على أن هذا التقليص يتسبب فعليًا بتعطيل بعض الخدمات، مما يعطي انطباعًا بوجود إضراب شامل.
وأشار النجار إلى أن الأزمة الحالية ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لأكثر من 44 شهرًا متواصلة من الاقتطاعات وعدم انتظام الرواتب، دون أي تدخل فعّال من الحكومة لوضع برنامج دعم حقيقي للموظفين.
قال: "تركت الحكومة الموظف يواجه مصيره أمام البنوك، والفوائد، وشركات الكهرباء والمياه، والجامعات، دون أن تقدم له أي حماية أو بدائل واقعية".
وأضاف أن الموظفين، لا سيما في القطاع الصحي، وصلوا إلى مرحلة الاستنزاف الكامل، خاصة في ظل طبيعة العمل الذي لا يسمح بالتغيب، وضرورة الاستمرار بتقديم الخدمة على مدار الساعة.
ولفت إلى أن الحكومة، بدلًا من حمايتهم، حملتهم العبء كاملًا دون مراعاة ظروفهم الاقتصادية الصعبة.
في حديثه عن تحركات النقابات، أوضح النجار أنهم عقدوا اجتماعًا مع وزير الصحة لبحث السبل الممكنة لحماية الموظفين وضمان استمرار الخدمة، وتم رفع مجموعة من المقترحات لرئيس الوزراء. وقال إن هناك مؤشرات على تفاعل الحكومة مع بعض هذه المقترحات، لكنها تحتاج إلى تطبيق عملي وفوري.
وعن الرد على تصريحات الناطق باسم الحكومة، اعتبرها تصريحات "معيبة ولا تلامس واقع الأزمة"، مضيفًا: "الموظف الذي يتقاضى أقل من نصف راتبه لا يستطيع التفاوض مع البنك أو دفع فاتورة الكهرباء، والحكومة بدلًا من أن تقدم حلولًا، تطالبنا نحن أن نجد البدائل!".
كما شدد على أن النقابات ترفض المساس بخدمة المواطن، وأوضح أنهم دائمًا يضعون استثناءات في حالات الإضراب لقسم الطوارئ والولادة والأمراض المزمنة.
وقال: "نحن مع تقليص الدوام بشرط أن لا يتوقف تقديم الخدمة... المواطن ليس خصمنا، بل هو شريك في المعاناة".
واقترح النجار سلسلة خطوات لتخفيف الأزمة، منها: إنشاء صندوق وطني للمسؤولية الاجتماعية من البنوك لدعم الموظفين، والتفاوض مع الجامعات لتأجيل الأقساط عن أبناء الموظفين، ووقف الفوائد على القروض مؤقتًا، ودعوة رئيس الوزراء لعقد اجتماع وطني موسع مع جميع النقابات لبحث حلول جماعية.
وختم بالقول: "لا يجوز أن يتحمل الموظف الحكومي العبء وحده. نريد حلولًا خلاقة وجماعية لإنقاذ ما تبقى من صمود هذا الشعب".
جهاد حرب مدير مركز "ثبات" للبحوث واستطلاعات الرأي
من جانبه، قدّم الباحث السياسي جهاد حرب قراءة تحليلية متعددة الأبعاد لأزمة الرواتب، مؤكدًا أن أسبابها وتشعباتها تتعلق بثلاثة مستويات رئيسية:
المستوى السياسي: يتمثل في الضغوط الإسرائيلية، وقرصنة أموال المقاصة التي تشكل غالبية إيرادات السلطة الفلسطينية، ما أثر على قدرة الحكومة على تقديم الخدمات، وليس فقط صرف الرواتب.
المستوى الحقوقي: أشار حرب إلى أن الإضراب حق قانوني، لكن يجب الموازنة بين هذا الحق وحق المواطن بالحصول على الخدمة، لا سيما الفئات الهشة التي تعتمد على الخدمات الحكومية بشكل أساسي.
مستوى إدارة الأزمة: أوضح أن الحكومات المتعاقبة فشلت في التعامل مع الأزمات، ولم تُظهر إدارة عادلة أو استراتيجية احتواء واضحة، بل افتقرت للشفافية، وغابت عنها برامج الصمود.
وأكد أن إدارة الأزمة تحتاج إلى خمسة عناصر أساسية:
برنامج صمود فعّال: يشمل ترتيبات مع البنوك، والجامعات، ومقدمي الخدمات.
استمرارية وجودة الخدمات العامة: لا سيما في الصحة والتعليم.
حماية حقوق المواطنين والموظفين على حد سواء.
شفافية في القرارات الحكومية، ومصارحة الناس بالحقائق.
ضبط الخطاب الإعلامي والنقابي: للحد من الانفعالات وتهييج الشارع، خاصة في ظل الظروف الوطنية المعقدة.
وحول دور القطاع الخاص، شدد حرب على ضرورة الشراكة الوطنية في تحمل المسؤولية، قائلاً: "لا يجوز أن يتحمل الموظف وحده عبء الأزمة، بينما الشركات تجبي الأموال بشكل منتظم وتحقق أرباحًا".
واقترح حرب، دفع 70% من الفواتير مؤقتًا، وترحيل الباقي بدون فوائد، ووقف العقوبات والفوائد على تأجيل الأقساط البنكية، وتنظيم العلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص عبر خطة واضحة ملزمة للطرفين.
وأضاف: "ما نحتاجه هو قرار حكومي مدروس مبني على تشاور فعلي مع جميع الأطراف: النقابات، القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني".
واختتم حديثه بالتأكيد على أن استمرار الأزمة دون معالجة منهجية يعني مزيدًا من الانهيار الاجتماعي، والضغط على الفئات الضعيفة، داعيًا إلى تفعيل دور الهيئات المحلية والبلديات في تسهيل الوصول للخدمات ودعم خطط الصمود الوطنية.
تتقاطع مداخلات كل من د. النجار وجهاد حرب حول أهمية تبني مقاربة شاملة وعادلة في التعامل مع أزمة الرواتب. فبين ضغوط الاحتلال، وغياب الحلول الحكومية، ولامبالاة بعض مؤسسات القطاع الخاص، يبقى الموظف هو الحلقة الأضعف والأكثر تضررًا.
لكن الرؤية التي قدمها الضيفان تؤكد أن الحل ليس بعيدًا، إذا توفرت الإرادة السياسية، والتكامل بين الجهات المختلفة، وجرى توزيع الأعباء بعدالة، بما يعيد بناء الثقة، ويحافظ على مقومات الصمود في وجه التحديات الوطنية والاجتماعية المتراكمة.
وبرنامج "قضايا في المواطنة" هو برنامج اجتماعي تُنتجه مؤسسة "REFORM" ويبث عبر شبكة راية الإعلامية؛ للإسهام في الوصول إلى نظام حكم إدماجي تعددي مستجيب لاحتياجات المواطنين ومستند إلى قيم المواطنة.
فيما يلي الحلقة كاملة: