الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:06 AM
الظهر 12:45 PM
العصر 4:25 PM
المغرب 7:52 PM
العشاء 9:23 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

"الاستعمار المناخي" 

جورج كرزم 

 

تسارُع تأثيرات التغير المناخي أطلق عصرًا جديدًا من التنافس الجيوسياسي يتميز باستغلال الأراضي النائية التي أصبحت قابلة للوصول، والممرات التجارية الاستراتيجية، والموارد المعدنية الحرجة. تُعرف هذه الظاهرة باسم "الاستعمار المناخي"، وتعكس تقاطع التحول البيئي مع استخراج الموارد بعقلية كولونيالية، مدفوعة بأولويات الهيمنة الاقتصادية والأمن القومي.  

وفي هذا السياق تحديدا، تحول القطب الشمالي من منطقة هامشية للبحث العلمي إلى ساحة رئيسية للتنافس بين الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا، بينما أصبحت مناطق الساحل الإفريقي والقرن الإفريقي ساحات صراع على المعادن الأساسية للتحول نحو الطاقة النظيفة.  

انطلاقا من هذه الخلفية، يفحص هذا المقال التحليلي النقدي المحركات الهيكلية للاستعمار المناخي وجذوره التاريخية وتداعياته على ديناميكيات القوة العالمية، مستندا إلى أبحاث علمية مدققة وحالات دراسية معاصرة ووثائق سياسية، وقواعد بيانات الصراعات، ليؤكد أن التغير المناخي ليس مجرد أزمة بيئية، بل محفزًا لإمبريالية القرن الحادي والعشرين.  

"الحتمية المناخية" والأيديولوجيات الإمبريالية 

تعود جذور الاستعمار المناخي إلى المشاريع الاستعمارية الأوروبية، حيث بررت "الحتمية المناخية" الاعتقاد بأن المناخ يشكل التسلسل الهرمي العرقي والحضاري، وبالتالي التوسع الإقليمي. كما أشار ماهوني وإندفيلد، صورت القوى الاستعمارية المناطق المعتدلة على أنها ملائمة لـ"الحضارة"، بينما نُظر إلى المناطق الاستوائية على أنها تتطلب تدخلا لـ"تحسين" بيئاتها. مكنت هذه الأيديولوجيات استخراج الموارد وقمع السكان الأصليين تحت غطاء الإدارة البيئية. على سبيل المثال، شجعت الإدارة الاستعمارية البريطانية في الهند إزالة الغابات وزراعة المحاصيل الأحادية لـ"ترويض" المناظر الطبيعية الاستوائية، وهي ممارسات زادت من هشاشة النظم البيئية والتفاوتات الاجتماعية. 

أما القطب الشمالي، الذي كان يُعتبر سابقًا "أرضًا قاحلة" غير قابلة للسكن، فقد أُعيد تصوره كحدود لاستغلال الموارد؛ حيث أن ذوبان الغطاء الجليدي (نتيجة مباشرة للاحترار البشري المنشأ) يؤدي إلى جعل رواسب النفط والغاز والمعادن الأرضية النادرة (REEs) التي كانت غير قابلة للوصول قابلة للاستخراج. يعكس هذا التحول منطق الاستعمار في القرن التاسع عشر، حيث مكنت آنذاك التطورات التكنولوجية (مثل السفن البخارية) استغلال إفريقيا وآسيا. اليوم، أصبح التغير المناخي نفسه "المُمكن التكنولوجي"، إذ يزيل الحواجز الطبيعية أمام نهب الموارد. 

القطب الشمالي كساحة جيوسياسية 

*الولايات المتحدة، روسيا والصين: رؤى متضاربة لقطب شمالي دافئ 

تَحَوَّلَ القطب الشمالي إلى نقطة استراتيجية بفضل احتوائه المقدر على 160 مليار برميل من النفط و30% من احتياطيات الغاز الطبيعي العالمية غير المكتشفة. تسيطر روسيا-التي تملك 53% من سواحل القطب الشمالي-على المنطقة عسكريًا، حيث أعادت افتتاح قواعد سوفيتية قديمة ونشرت كاسحات جليد نووية لتأمين طريق البحر الشمالي(NSR) . ومن المتوقع أن يقلل هذا الطريق بنسبة40%  زمن الشحن بين أوروبا وآسيا خلال العام الحالي، متحديًا هيمنة قناتي السويس وبنما.  

أما الصين، رغم عدم امتلاكها أراضٍ في القطب، فقد أعلنت نفسها "دولة قريبة من القطب" واستثمرت 90 مليار دولار في بنيته التحتية منذ عام 2010، بما في ذلك مبادرة طريق الحرير القطبي. 

رد فعل الولايات المتحدة كان مترددًا؛ إذ بينما تعهدت إدارة بايدن بتخصيص 2.5  مليار دولار للبنية التحتية الدفاعية في القطب عام 2024، لا تزال التأخيرات البيروقراطية تعيق التقدم. في المقابل، كشف عرض دونالد ترامب عام 2019 (خلال ولايته الأولى) لشراء غرينلاند (أكبر جزيرة غير قارية في العالم وتقع في القطب الشمالي)-التي تحوي 38.5 مليون طن متري من أكاسيد المعادن النادرة -عن نهج تجاري في جيوسياسية المناخ. هدفت هذه الخطوة إلى تجنب احتكار الصين لـ90%  من تكرير المعادن النادرة عالميًا، لكنها تجاهلت التكاليف البيئية والاجتماعية للتعدين في النظم الهشة. 

* مجلس القطب الشمالي: حوكمة مُفككة في عالم يذوب 

أصبح المجلس-الذي تأسس عام 1996 لتعزيز التعاون البيئي-منصة للاستعراض الجيوسياسي. أدى تعليق عضوية روسيا عام 2023 بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية إلى تفكيك الإجماع، ما سمح بإجراءات أحادية الجانب مثل استثمار موسكو 300 مليون دولار في مشاريع "يامال" للغاز الطبيعي المسال. في الوقت ذاته، حصلت دول غير قطبية مثل الصين والهند على صفة مراقب، مستخدمة نفوذها الاقتصادي للتأثير على السياسات. يُظهر عجز المجلس عن تنظيم التسلح أو استخراج الموارد قصور الأطر الحالية في مواجهة التنافس المدعوم بالمناخ. 

العناصر الأرضية النادرة: الجانب المظلم للتحول الأخضر 

*سلاسل إمداد الاستغلال 

تزايد الطلب على العناصر الأرضية النادرة-الضرورية لتوربينات الرياح والمَرْكَبات الكهربائية (EVs) وأنظمة الدفاع-مع توقع الوكالة الدولية للطاقة (IEA) زيادة الاستخراج عشرة أضعاف بحلول 2030 لتحقيق أهداف "صافي الصفر". لكن هذا التحول "الأخضر" يُعيد إنتاج أنماط الاستعمار. في غرينلاند، تهدد مشاريع التعدين المقترحة مجتمعات "الإنويت" الأصلية بالنزوح وتلويث مناطق الصيد التقليدية. وبالمثل، في جمهورية الكونغو الديمقراطية (DRC)-التي توفر70% من الكوبالت العالمي- تَستخدم المناجم المملوكة صينيًا عمالة الأطفال وتتجاوز الأنظمة البيئية، ما يولد أرباحًا نادرًا ما تستفيد منها المجتمعات المحلية. 

 قانون المواد الخام الحرجة للاتحاد الأوروبي (2023) يجسد هذا التناقض؛ إذ رغم تصميمه لتأمين الوصول إلى المعادن للدول الأعضاء، إلا أنه يفضل مصالح الشركات على الضمانات البيئية والاجتماعية. أطلس العدالة البيئية وثق 28 صراعًا مرتبطًا باستخراج العناصر النادرة في البرازيل ومدغشقر وماليزيا، تتسم بنضوب المياه والاستيلاء على الأراضي والعنف الدموي ضد الناشطين البيئيين والاجتماعيين.  

التغير المناخي كمضاعف للصراعات في إفريقيا 

*الساحل الإفريقي: ندرة الموارد والتدخل العسكري 

ترتفع درجات الحرارة في الساحل الإفريقي1.5  مرة أسرع من المتوسط العالمي، ما تسبب في نزوح 3.5 مليون شخص بحلول 2024. أدى التنافس على الأراضي الزراعية والمياه إلى تصعيد التوترات العرقية التي استغلتها جماعات "جهادية" مثل بوكو حرام. وفي المقابل، عملية برخان الفرنسية-التي سُوِّقَت باعتبارها عملية لمكافحة الإرهاب-تؤمن أيضًا الوصول إلى احتياطيات اليورانيوم في النيجر، والتي تُشغل40%  من الكهرباء الفرنسية. يوضح هذا التقاطع بين الإجهاد المناخي والعسكرة ما يسميه الباحثون "مجمعات المناخ-الأمن"، حيث تشرعن الأزمات البيئية التدخل الأجنبي. 

*القرن الإفريقي: نقاط الاختناق والتنافس البحري 

تجسد جيبوتي-التي تضم قواعد عسكرية أميركية وصينية وفرنسية-القيمة الاستراتيجية للقرن. السيطرة على مضيق باب المندب-الذي يمر عبره 10% من شحنات النفط العالمية- جذب تنافسات بحرية، حيث مكنت قاعدة دعم جيش التحرير الشعبي الصيني من مراقبة العمليات الأميركية في بحر العرب. في الوقت ذاته، يُظهر نزاع سد النهضة الإثيوبي مع مصر كيف تؤدي ندرة المياه إلى صراعات دولية، مع توقعات بانخفاض تدفق نهر النيل بنسبة 30% بحلول 2050.  

المسارات المستقبلية 

الاستعمار المناخي ليس شذوذا بل استمرارية لمنطق إمبريالي مُعدل لعصر الانهيار البيئي. يوضح القطب الشمالي وإفريقيا كيف يُسلح التغير المناخي لتعزيز القوة، بينما تتحمل المجتمعات المهمشة والمقهورة وطأة الاستخراج والعسكرة. باعتقادنا، يتطلب التصدي لذلك: 

إزالة الاستعمار من الحوكمة المناخية: إعلاء المعرفة المحلية الأصلية في صنع سياسات القطب وإنفاذ إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية في عقود الموارد. 

إصلاح سلاسل الإمداد: ربط الاتفاقيات التجارية بمعايير حقوق الإنسان والبيئة، كما يُقترح في قانون العناية الواجبة للاتحاد الأوروبي. 

نزع العسكرة عن الاستجابات المناخية: تحويل بضع تريليونات (لا يقل عن 2 تريليون دولار) من الإنفاق العسكري السنوي نحو التكيف المناخي في الدول الهشة. 

والبديل لما ذكر للتو: عالم يُمَكِّن فيه الاحترار النهج الافتراسي للشركات والدول؛ بمعنى تكريس عصر جديد من الإمبريالية البيئية، تُرسم حدوده على جليد ذائب وتُسفك دماء على الليثيوم والكوبالت. 

Loading...