خاص| بين كثرة الخريجين وغياب التدريب… أين تتجه مهنة الطب؟
بينما تتزايد أعداد خريجي كليات الطب في فلسطين والجامعات العربية والأجنبية، تقف الدولة عاجزة أمام تنظيم فرص التدريب لهؤلاء الأطباء الذين أنهوا سنوات طويلة من الدراسة والتكاليف، ليجدوا أنفسهم على قوائم الانتظار.
وحذّر نقيب الأطباء الفلسطينيين الدكتور جهاد شاور من تفاقم أزمة تدريب أطباء الامتياز، داعيًا إلى تدخل وطني عاجل لإنقاذ مستقبل آلاف الأطباء وضمان بقاء الكفاءات الطبية داخل الوطن.
قال نقيب الأطباء الفلسطينيين الدكتور جهاد شاور في حديث خاص لـ"رايــة" إن كثيرًا من الأطباء الفلسطينيين يقضون ما بين سبع إلى ثلاث عشرة سنة في دراسة الطب، يستنزفون خلالها أموال عائلاتهم وجهودهم وأحلامهم، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف واقفين أمام أبواب المستشفيات فقط بحثًا عن فرصة تدريب قد لا تأتي أبدًا.
وأضاف: "للأسف الشديد، هناك كمية كبيرة من الخريجين نتيجة الإقبال الكبير في السنوات الماضية على دراسة الطب، سواء في كليات الطب الوطنية أو الجامعات بالخارج، دون وجود خطة واضحة من الوزارات المعنية لتحديد احتياجاتنا الفعلية من الأطباء في السنوات القادمة".
وأوضح أن نقابة الأطباء لا تمانع دراسة أحد للطب، لكنها فقط تضع الحقائق الموجودة على أرض الواقع. وتابع: "نحن نطالب بخطة وطنية شاملة من وزارات الصحة والتعليم العالي والمجلس الطبي والنقابة، تضمن أن من يدرس الطب تكون لديه خريطة طريق واضحة نحو مستقبله الوظيفي".
وأشار إلى أن الرغبة في دراسة الطب بين الطلبة لا تزال مرتفعة بسبب البعد الإنساني والنبيل للمهنة، قائلاً: "غالبية من يحصلون على معدلات مرتفعة في الثانوية العامة يتجهون لدراسة الطب بدافع نبيل وأخلاقي، وهذا أمر إيجابي، لكن لا بد أن يكون هناك تنظيم".
ولفت شاور إلى أن كليات الطب في فلسطين تفتقر إلى المستشفيات الجامعية، ما يزيد الضغط على المستشفيات الحكومية والخاصة المحدودة أصلًا، قائلًا: "نحن بحاجة لمستشفيات جديدة لتغطية النقص الحاد في عدد الأسرّة، وأيضًا لتدريب الأطباء المتخرجين".
وأكد أن هذه الأزمة قد تتحول إلى أداة تهجير للكفاءات الطبية الفلسطينية، مضيفًا: "نحن لا نريد لأبنائنا المبدعين أن يهاجروا، نريدهم أن يخدموا أبناء بلدهم".
وتابع: "يوجد لدينا اليوم ما يقارب 4000 طبيب فلسطيني على قائمة الانتظار للحصول على فرصة تدريب امتياز، في حين أن الطاقة الاستيعابية السنوية للقطاعين العام والخاص لا تتجاوز 900 إلى 1000 طبيب فقط".
وأوضح نقيب الأطباء أن من بين هؤلاء الأطباء، هناك نحو 2500 طبيب حديث التخرج تم تسجيلهم هذا العام، منهم 1200 من الجامعات الوطنية، وقرابة 100 من الجامعات العربية والأجنبية، إضافة إلى 400 طبيب من خريجي العام الماضي لا زالوا ينتظرون التدريب، من بينهم 175 طبيبًا مطلوب منهم سنتا امتياز بدلًا من سنة واحدة.
وقال: "طاقتنا الاستيعابية في المستشفيات الحكومية تبلغ 530 طبيب امتياز سنويًا، بعد أن كانت 350 فقط، وتم رفعها بضغط من النقابة، لكن لا يمكن تجاوز هذا الرقم حسب المعايير الدولية التي توصي بطبيب لكل 10 أسرّة".
وأضاف شاور: "الوضع أدى إلى أن يتوجه الأطباء الجدد للتدريب دون مقابل في المستشفيات الخاصة، والتي لا تستوعب أكثر من 300 طبيب حسب الاتفاقات الرسمية".
وشدد على أن النقابة قرعت جرس الإنذار وطرحت الملف أمام الحكومة، قائلاً: "قلنا يا إخوان لدينا مشكلة حقيقية، ولا بد أن نجلس جميعًا لنضع حلًا وطنيًا لتدريب هؤلاء الشباب".
وبيّن أن النقابة اقترحت الاستفادة من التجربة الأردنية، حيث تم تقييد أعداد المقبولين في كليات الطب من خلال منصة إلكترونية، مشيرًا إلى أن الأردن حدّد الرقم بـ1000 طالب في البداية، ثم خفضه لاحقًا إلى 800.