الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:36 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:25 PM
المغرب 4:52 PM
العشاء 6:09 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

حكاية تعاطي..تطفئ أحلام "محمد" وتجسد آفة العصر

نابلس- رايـــة "خاص": 

فراس أبو عيشة-

ليس من الصعب التعرف عليهم، فبصمتهم واضحةٌ مميزةٌ، وملامح أجسادهم لا تخفى على بسيط، فمحمد من نابلس، شابٌ في مقتبل العمر، دخل إلى تلك الدائرة المحظورة، واكتوى بنارها وعذابها، وأضاع مستقبله الدراسيّ، ولكن سرعان استطاع أن يُعيده قبل أن يضيع كاملاً، يروي محمد قصته "كنت ابن السابعة عشر، متميزاً بدراستي، ودائم الحصول على المركز الأول أو الثاني في المرحلة الأساسية من عمري، وعندما انتقلت إلى المرحلة الثانوية، تراهنت أنا وصديقٍ لي للحصول على المركز الأول، فأتاني أحد الأصدقاء، وأكد لي أنَّه يملك طريقة أستطيع من خلالها أن أكسب المنافسة بسهولة، وكانت هي حبوب اكستازي المخدرة".

وبحرقةٍ يُتابع "من شدة رغبتي لم أتردد لحظةً واحدة في تجربتها، فمن قدمها لي زميلٌ أثق به، ويضمن مفعولها على الدراسة على حد قوله، وفقط في فترة الامتحانات".

فأصبح محمد يأخذها في فترة الامتحانات، ولكن سرعان ما اعتاد عليها، وأصبحت عادةً يوميةً إلى أسبوعية، فبدأت صحته تتدهور، وجسمه ينحل، وبات يُفضل الاكستازي على طعامه وأكله، وتصرفاته بدأت تميل إلى الأسوأ.

بدأت عائلة "محمد" وأصدقائه ومن حوله يشكون في حاله، فمستواه الدراسي بدأ يتراجع، وحالته الصحية في تدهور، ولم يتوقع أحد أن يكون محمد أسيراً تحت قبضة الحبوب، ولكن تطورت في ما بعد لتصبح حبوب اكستازي، وإلى جانبها نبات الماريجوانا.

وبدموع الألم، يقول محمد "أبي الذي انتظرني لأكبر، وأكون عوناً له، وللعائلة، اكتشف ما أفعله، بعد أن رأى بعض الحبوب في غرفتي، فأجبرني على الذهاب لمركز علاجٍ في الأردن، وبدأت صحتي تتحسن، حتى أنهيت مرحلة العلاج، فعُدت لإكمال دراستي من الثانوية، عاقد العزم، وصادق النية، فاستعدت ما فقدته بسبب المخدرات التي دمرت حياتي، فأكملت مسيرة تفوقي، لأُصبح الآن طبيباً كما كُنت أحلم في طفولتي".

لا يوجد قانونٌ فلسطينيٌّ رادعٌ

وللشرطة الفلسطينية، وقسمها المتخصص في مكافحة المخدرات، دورٌ واضحٌ في محاربة المخدرات، والحد من انتشارها، وذلك للسيطرة عليها قبل أن تُصبح ظاهرة، ويقول مدير قسم مكافحة المخدرات في شرطة نابلس المقدم يحيى الكردي "المخدرات المنتشرة في فلسطين بأنواعها، أكانت ماريجوانا، أو حشيش، أو حبوب، وغير ذلك، فهي ليست بالظاهرة، وإنما هي بِضع حالات، فنسبتها قليلة مُقارنةً مع بقية الدول العربية، ودول العالم، كون الشعب الفلسطيني شعبٌ ثوريٌّ، ويُقاوم الاحتلال منذ أكثر من 60 عاماً، ولم ينشغل في هذا الأمر حتماً".

وعن أسباب ودوافع تعاطي المخدرات، يرى الكردي أنَّها تتمثل في حُب التجربة، والتقليد الأعمى للآخرين، وبعض المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يُعاني منها الفرد، إضافةً إلى أنَّ المتعاطي يعتقد أنَّها وسيلة ترفيهية.

ويُتابع "القانون يُعاقب أي جريمة، وحياز المخدرات من أسبوع إلى ثلاث سنوات باعتبارها جُنحة، أما التجارة وزراعتها فهي من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات باعتبارها جناية، حسب الأمر العسكري الإسرائيلي الصادر لعام 1975، ولكنها عقوبة ضعيفة، وغير كافية".

وحتى يومنا هذا، لا يوجد قانون فلسطيني للمخدرات، وإنما هنالك مشروع لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية، تم اقتراحه منذ فترة، ولكن لا زالت الشرطة والقضاء يأملون المصادقة عليه من الرئيس محمود عباس حتى الآن.

ويوُضح الكردي "التاجر نعتبره مرتكباً للجريمة، مهما كان دافعه، والذي يغلب عليه الدافع الربحي، أما المتعاطي فننظر إليه نظرة المريض، بغض النظر عن الدوافع والمشاكل التي يُعاني منها، أكانت نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فنحن نحاول تقديم المساعدة له بدلاً من عقابه، علماً أن غالبية الحالات هي حيازٌ وتعاطي، وليست تجارة، والمصدر الرئيسي لها إسرائيل ومستوطناتها، والمزارع والمصانع المحدودة في منطقة الضفة الغربية".

ويُوجه الكردي رسالة، مضمونها "لن يهدأ لنا بال، وسنضرب بيد من حديد من يُتاجر بالمخدرات، وسنلاحقه، ونُلقي القبض عليه، ونُحيله للقضاء، ليحاسبه حسب القانون، وسنواصل جهودنا التوعوية والإرشادية، وهذا ما يتطلب الشراكة المجتمعية، فالشرطة ومكافحة المخدرات ليست قادرة لوحدها في دور التوعية والإرشاد، وأيضاً على المواطن إبلاغنا بأي حالات تعاطي أو تجارة لأي نوع من أنواع المخدرات".

وكشف الكردي لـِ "رايـــة" أنَّه أعدَّ في الفترة الأخيرة أطروحة ماجستير بعنوان "جرائم المخدرات وسبل مكافحتها في التشريع الفلسطيني"، حيثُ أنها تعتبر مرجع علمي، ودراسة قانونية أولى بمجال المخدرات في فلسطين.

مرضٌ فتَّاكٌ مُعدي

ويقول مدير وحدة السموم والمعلومات الدوائية بجامعة النجاح الوطنية الدكتور سائد زيود "إن الحقيقة المؤكدة لطبيعة الإدمان هي عدم اكتمال النضج العقلي والنفسي للمدمن، فإذا كان الشخص غير قادراً على مواجهة مشاكل الحياة، ومتطلبات المجتمع، فإنَّه سُرعان ما يسقط فريسةً سهلةً للإدمان، تؤدي أحياناً لوفاته، وذلك عند تناوله جرعةً كبيرةً من المخدر، أو الانقطاع عنه لفترة، ثم العودة له، بعد أن زال التحمل للمخدر".

ويصف زيود الإدمان بالمرض المعدي، حيثُ أن كُلاً منهما يحتاج إلى شخصٍ قابل للعدوى أو الإدمان، ويُقبل على هذه الآفة كل الفئات عادة، سواء الأغنياء أو الفقراء هروباً من ضغوط الحياة.

وللإدمان أسباب عديدة، يوُضح زيود بعضاً منها "قد تكون أسبابٌ نفسية واجتماعيةٍ، بفعل حالاتٍ عصبيةٍ وقلقٍ، واضطراباتٍ نفسيةٍ، والفقر والحرمان وسوء الظروف الاقتصادية، إضافةً إلى أسبابٍ أخلاقيةٍ، ترتبط بضعفِ الوازع الديني والأخلاقي، وانهيار الأخلاق في المجتمع، وغيرها من الأسباب الأُخرى".

ويرتبط الإدمان ارتباطاً وثيقاً بالجريمة، فعقاقير الإدمان يمكن أن تُثير العدوانية، والعنف ضد المجتمع عند الأفراد الذين لديهم الاستعداد للعنف، أو ما يُسمى بـِ "الجريمة الكامنة"، إذ تظهر على السطح تحت تأثير العقار.

وعن علاج الإدمان، يسترسل زيود "يُمكن اللجوء إلى أحد المراكز الطبية النفسية، ويُقيم بها المدمن ستة شهورٍ على الأقل، وذلك حسب نوع الإدمان، ومدته، أو من خلال علاج الأعراض الانسحابية للمادة المؤثرة نفسياً، والتي تختلف أعراضها حسب تلك المادة، وتستغرق من أسبوعين إلى ثلاثة، إضافةً إلى طريقة العلاج النفسي والجماعي، حيثُ أنَّه يشمل معرفة الدوافع اللاشعورية للاستمرار في الإدمان، وتقوية المدمن لمواجهة مشاكله والمجتمع".

كارثةٌ وآفةٌ مجتمعيَّةٌ

ويوضح نائب رئيس جميعة أصدقاء الحياة لمكافحة المخدرات، ورئيس قسم علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية الدكتور ماهر أبو زنط "المخدرات هي آفة منتشرة في جميع أنحاء العالم دون استثناء، ولكنها في بعض المجتمعات وخاصة الغربية تُعتبر ظاهرة، وذلك لوجود مؤسسات وجمعيات وعصابات تتولى ترويج المخدرات، وتوزيعها من أماكن تُزرع فيها إلى أماكن أخرى، أما في مجتمعاتنا العربية، والمجتمع الفلسطيني فهي كارثة حقيقة، والسبب في انتشارها الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نُعاني منها".

وللحصول على المخدرات وتعاطيها عدة أساليب وطرق، فإما عن طريق الحبوب، أو الاستنشاق، أو الحقن والإبر، أو من خلال سجائر التدخين، وتتفاوت حسب النوع والشكل والكمية والسعر، فأسعارها باهظة، ولا يستطيع أي إنسان الحصول عليها، وإذا حصل عليها، وأصبح مدمناً، فلا يُمكن أن يتخلص منها إلا بعد موته.

ويُبين أبو زنط "المخدرات تؤثر سلباً على المجتمع، فالموظف يترك عمله، والطالب يتراجع مستواه العلمي وتحصيله، ودوماً تقترن المخدرات بالجرائم، والانحراف، فالإنسان عندما يبدأ بتعاطي المخدرات يبحث عن مصدر دخل له، فإما أن يسرق، أو يزور، أو يُهدد للحصول على مبلغ من المال، ومن الواضح أن خطر المخدرات أكبر من الحروب والزلازل".

ويُنوه أبو زنط على ضرورة الترابط والتكافل المجتمعي ما بين المجتمع، والشرطة، والمؤسسات التعليمية، والصحة، والإعلام، والقانون، فعلى المؤسسات التعليمية والإعلام والصحة توعية أفراد المجتمع، وكذلك الأُسر، وعلى الشرطة أن تلاحق وتلقي القبض على كل من يتعاطى المخدرات، ويروج لها، ويجب أن يكون هنالك قانون وعقوبة رادعة تُطبق وتُنفذ على الجميع دون تمييز، وتصل إلى الإعدام، وخاصة على المُروج لها، فالمُروج هو قاتل، لأنَّه ينشر هذه الآفة في المجتمع، ويقتل أفرادها.

دمارٌ للضرورات الخمس

والدين الإسلامي حرَّم ما يضرُ الإنسان ويُذهب عقله، وما يعتدي على الضرورات الحياتية الخمس، ويُلحقها بالضرر، وبالتالي يُدمرها، ويقول نائب رئيس لجنة زكاة نابلس الشيخ أحمد شرف "الإسلام دعا إلى الحفاظ على الضرورات الخمس، وهي الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، فلا شك أن المخدرات تؤثر بشكلٍ واضحٍ وسلبي على الدين، فمن يتعاطاها يُضيع صلواته، ويشتم الذات الإلهية، ويفعل تصرفات خارجة عن نطاق وإطار الدين الإسلامي".

ويُضيف "لا يقتصر تأثير المخدرات على الدين فَحسب، بل أيضاً على النفس والعقل، فمن يتعاطاها أجله لا يكون طويلاً في الغالب، ويذهب عقله ويتخدر، وتؤثر على المال، فثمنها ليس بالزهيد، وإنما بالباهظ والثمين، ومن يتعاطى المخدرات يقع في الفواحش، والزنا، وبذلك ضرر على العرض والنسل".

وعن أسباب تعاطي المخدرات، فيرى شرف أن السبب الأسمى والرئيس هو البُعد عن الدين، والفراغ الذي يعانيه شبابنا، والأفكار الهدامة عن المخدرات، فالبعض يعتبرها قوة جنسية وروحية، إضافةً إلى رفقاء وأخلاء السوء، كما قال رسول الله "المرءُ عَلى دينِ خليلِه، فلينظُر أحدُكم من يُخالل".

ويُبين أن الإسلام حرم تعاطي المخدرات والتجارة بها، مُستدلاً على أن شيخ الإسلام ابن تيمية وصف من يتعاطى المخدرات كَمَن يشرب الخمر، فَحده ثمانين جلدة، وإذا تكرر منه الفعل مِراراً وتكراراً، يقُتل، كما قال ابن تيمية "من لم يُمنع فساده في الأرض إلا بقتله، قتلناه"، وكما قال رسول الله عليه السلام "حُرم عليكُم كُل مسكرٍ ومُفترٍ".

ويُوضح شرف "يقع على عاتقنا وعاتق المؤسسات الدينية دور التوعية، من خلال خُطب المساجد، والجمعة، وفي بعض المناسبات الخاصة، كيوم المخدرات العالمي، إضافةً إلى الدروس الرمضانية، وأثناء الصلوات، وصدق من قال <كأسٌ وغانيةٌ، يفعلان بالأمة الإسلامية ما لا يفعله مدفع رشاش".

آراء الشارع الفلسطيني

ويُبين المحاضر في كلية القانون بجامعة النجاح الوطنية الدكتور علاء بني فضل أن عقوبة المخدرات المطبقة في مجتمعنا رادعة بعض الشيء، ولكن المشكلة في تطبيقها، فمثلاً متعاطيين المخدرات لا يتم حبسهم، أو إيداعهم في السجون، بل يُنقلون ويعرضون على مراكز طبية لمعالجتهم، إضافةً إلى إجراءات الضبط، فدخول المنازل للبحث عن أنواع من المخدرات يتطلب مذكرة تفتيش رسمية من النيابة العامة.

ويُشدد بني فضل على ضرورة إيجاد قانون أكثر ردعاً وقوةً، بحيث لا تقل عقوبة متعاطي المخدرات، والمُتاجر بها، عن عشر سنوات مع أشغال شاقة.

وتصف إيمان فقها من طولكرم ظاهرة المخدرات بأنها كالشبح الذي يدور ويقترب منا بسرعةٍ هائلة، وتقول "ما زلنا نسمع يومياً عن حالات من الإدمان، وتجارٍ جديدين، أو حالات قبضٍ على مشتبهين بالتجارة بها، فهي ظاهرة شلت عقد الشباب مُبكراً، وبعثت روح الكآبة لمتعاطيها، وستدق ناقوس الخطر الحقيقي إن لم تُعالج بأسرع وقت".

ويقول محمود الترابي من نابلس "من يتعاطى المخدرات ليس شرطاً أن يكون إنساناً سيئاً، فغالباً ما يكون السبب، هو ضغوطات الحياة، والفشل، والانكسار العاطفي والنفسي، ولذلك يجب علينا أن نقترب من هؤلاء الأشخاص، ونستمع لهم، ونتعرف على الأسباب والظروف التي أدت لوصوله إلى هذا الحال".

ويُتابع "يجب نقل المدمنين والمتعاطين إلى المراكز الطبية للتعامل معهم ومعالجتهم، وأن يلقى المُروج والتاجر للمخدرات النصيب الأكبر من العقاب، لأنَّه هو من نقلها وأوصلها إلى المتعاطي ذاته".

وتُوجه هالة الوزني رسالة إلى الجهات المُختصة، مفادُها "عليهم جميعاً مسؤولية الرقابة التامة والكاملة، كي لا يتدمر المجتمع بأكمله، فلا تكفي الوقفات الرافضة للمخدرات، والمحاضرات التي تُعقد في المؤسسات التعليمية، بل يجب أن يكون هُنالك خطوات وحملات توعوية تُحدث صدى واسع، إضافةً إلى سن قانون رادع".

Loading...