متحف ياسر عرفات: لقاء مع الختيار بعد اثني عشر عاماً

رام الله- رايــة:

ندين نخلة-

لم يكن الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات بالنسبة للفلسطينيين، رئيسًا فقط، بل كان قائداً لهم، كلماته أصبحت مبادئ يرددها الصغير قبل الكبير، بدءاً من حديثه عن فارس عودة، مرورا ب "يا جبل ما يهزك ريح"، وانتهاءاً بـ"زهرة من زهرات القدس ترفع علم فلسطين فوق أسوار وكنائس ومساجد القدس".

تماهى شخص أبو عمار مع كل ما هو وطني، فكانت حياته طوال السنوات الخمس والأربعين الأخيرة انعكاساً  لمراحل القضية الفلسطينية المختلفة؛  فلم يكن بالإمكان عرض سيرة حياته، وشخصه، إلا من خلال التاريخ الوطني الفلسطيني.


فأبو عمار كان "يأكل، يشرب وينام، في فلسطين ولفلسطين"، كما قال مدير عام مؤسسة ياسر عرفات أحمد صبح.

ويحضر ياسر عرفات بقوة، بعد اثني عشر عاماً على رحيله، في ذلك الجزء من المقاطعة، حيث حوصر لثلاث سنوات.. متحفٌ موشوم باسمه، يجعلك تقلب في كل خطوة تخطوها صفحات تاريخ البلد البعيد منذ مطلع القرن العشرين حتى وفاة أبو عمار في الحادي عشر من تشرين الثاني عام 2004.

متحف "سيكون موطناً لتخليد الذاكرة الوطنية المعاصرة وروايةً للحركة النضالية الفلسطينية وذلك من خلال التعريج على مسيرة عرفات باعتباره الفصل الأطول من فصول الحركة النضالية الفلسطينية"، كما يصفه ناصر القدوة، رئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات.

وعبر أربعة ممرات يقطعها رواد المتحف صعوداً؛ في كل ممر حقبة زمنية، ولكل حقبة زمنية محطات متعاقبة، سيستطيع الزائر لها أن يشاهد سردًا تاريخيًا بالصورة والصوت، بالوثيقة والفيديو، بالمقتنى والشرح باللغتين العربية والانجليزية، وبالعين المجردة أيضًا.

متحف فلسطيني خالص، دفع المواطن الفلسطيني تكاليفه التي وصلت ـ7 ملايين دولار، من خلال الحكومات الفلسطينية المتعاقبة بالتدريج وبالتقسيط؛ فلم يكن “من المنطقي اللجوء إلى صديق أو شقيق”  لبناء متحف ذاكرة وطنية فلسطينية يروي الحكاية والتاريخ، بحسب أحمد صبح مدير عام المؤسسة.

ومن طابق المتحف الثالث وعبر جسر يصل مبنى المتحف بمقر المقاطعة القديمة، سيعيش الزائر مراحل الحصار المختلفة عبر شاشات توثق لها بالصوت والصورة، كما سيمرون إفتراضياً بما تبقي من ملامح للجدران المدمرة  وما هو محيط، حتى وصول الدبابات جدار الغرفة، وما أن تطأ قدما الزائر مكان الحصار، حتى تبدأ تسجيلات الفيديو بعرض جنازات أبو عمار الثلاث، بباريس والقاهرة وعمان.

ومن غرفة أبو عمار تحديدًا، سيطَلع الزائر على الظروف التي عاشها أثناء الحصار، سيلمس ويشاهد مقتنياته في غرفة نومه حيث قضى معظم أيامه الأخيرة، سيمشي على العتبات التي خطت أقدامه عليها،  سيقف في غرفة الاجتماعات، وسيشار له بالمكان الذي اختصه الرئيس الراحل لنفسه في يوم الحصار الأخير، وأكثر... فطابق الحصار ترك كما ترك عام 2004، مع رتوش قليلة ضرورية تساعد الزائر على التجول والاقتراب أكثر من سيرة آبو عمار.

وفي مشهد درامي مؤثر، ستنفتح الجدران عند كل مرحلة مفصلية من تاريخ القضية الفلسطينية، وتحديداً منذ بدايات القرن الماضي، وإحدى أبرز هذه المراحل تمثلها طفولة الزعيم الراحل مروراً بيتمه المبكر، لتعود ذاكرة الزائرين بهم إلى ذلك الانسان الذي لم يعر اهتمامه يومًا لتفاصيل ما يعيش، وعن علاقته بأخيه، فتحي عرفات، الذي كان في غيبوبة لحظة استشهاد أبو عمار، فتوفي شقيقه بعد عشرين يوما دون أن يدرك بأن أبو عمار قد سبقه.

وأكثر.. يستطيع الزائر للمتحف أن يطلع على التقارير الطبية  للختيار، تلك التي تؤكد اغتياله بوضع السم في طعامه.

ويروي المتحف أيضاً حكايا 175 شهيدا من الحركة الأسيرة، في الفترة ما بين 1997 حتى 2004.

 وعبر الصوت والصورة ومجموع المقتنيات، سيقول المتحف للزائر، أن أبو عمار كان مهندسًا مدنيًا، تفرغ لاحقا للثورة الفلسطينية مع مجموعة من أصدقائه، وسيضع المتحف زائريه أمام تواضع الختيار الظاهر في مقتنياته، حيث كانت خزانة ملابسه شبه فارغة، تحوي “بضعة بدلات عسكرية كاكي"  كما يصفها أحمد صبح، والقليل من ملابس النوم، وإذا اضطره الأمر “لا يمتنع آبو عمار عن ارتداء ملابس مرافقيه”.

و في مكان ما من المتحف، هناك خارطة تفاعلية، أتت لتشبع جوع الفلسطينيين للهوية والانتماء وتجسد قضية اللاجئين الفلسطينيين كإحدى أهم مراحل التاريخ، ذلك الجوع الذى يدفع بالفلسطيني فور وقوفه أمام أي خارطة، إلى البحث عن مدينته او قريته، لتتجسد المفارقة، فهناك فقط، وليس على أرض الواقع الجغرافي أو حتى السياسي، سيتمكن أصحاب الوطن من لمس مسقط رأسهم فما أن يلمس الزائر بطرف إصبعه موقع البلد التي لجأ منها، حتى يفتح شباك إلكتروني يزخر بما يتوفر من معلومات عنها.

وحول ما يشاع عن بيع بعض مقتنيات الختيار، أكد مدير عام مؤسسة ياسر عرفات، أن ما بيع، “لم يكن ملكًا لشخص عرفات، بل كان غرضًا كان قد استعمله لضرورات تحركه وعمله”، أي أن ما بيع كان ملكًا رسميا، ومن حق أي جهاز رسمي التصرف بما يعود إليه من مقتنيات.

وتبقى مقتنيات أبو عمار الموجودة في قطاع غزة نقطة عالقة حتى اللحظة، لا سيما مع حالة الانقسام الحادة التي شهدتها الحالة الفلسطينية بعد وفاة عرفات ووصول حركة حماس للسلطة وسيطرتها فيما بعد على القطاع، وعن هذا قال صبح: "مؤسسة ياسر عرفات ومنذ تأسيسها قبل 9 سنوات، تجمع وتؤرشف كل ما يتعلق بالرئيس الراحل، لكن المؤسسة لم تستطع حتى الآن أن تحصي أي من مقتنياته في غزة رغم الوعود الكثيرة" موضحاً  انهم- مؤسسة ياسر عرفات- يملكون قائمة بمقتنيات بيته ومكتبه في غزة، تتضمن هدايا، وأمور شخصية عمل بها.

وقد تمّ تصميم المتحف من قبل المهندس المعماري الفلسطيني الراحل جعفر طوقان  بالاعتماد على أحدث الوسائل التكنولوجية مما يشجّع الزوار على التفاعل مع الرواية، كما يضمّ مركز معلومات إلكتروني ومكتبة صغيرة متخصّصة، هذا بالإضافة إلى صالة متعددة الأغراض وصالة معارض ستستخدمان لعرض أنشطة متنوعة وورش عمل ولقاءات لتبحث تلك المراحل المهمة من تاريخ النضال الفلسطيني في القرن العشرين وسيرة الشهيد ياسر عرفات. 

يذكر أن متحف ياسر عرفات، والذي استمر العمل على إنشائه وتجهيزه أكثر من ست سنوات، سيفتح أبوابه أمام العامة والزائرين من داخل الوطن وخارجه خلال الذكرى الثانية عشرة لوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ليوثق لمرحلة شكلت منعطفاً تاريخياً وسياسياً فارقاً في حياة الفلسطينيين ومستقبل دولتهم العتيدة.