الكسارات والمحاجر في فلسطين: تجارة باهظة الثمن

بيت لحم-رايــة:
مهند الشاعر-
يعود المواطن وليد ثوابتة بفاجعة عائلته بفقد ابنها محمود "18 عاما" في منشار للحجر في بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم، الى ظروف مماثلة حدثت مع عائلات اخرى كانت لقمة عيش ابنائها على حافة الموت، منهم من نجى وفقد يد او قدم او اصبع ومنهم من تهتك جسده تحت قطعة حجر أو ماكنة قاتلة.
كان محمود، نجل المواطن وليد، يعمل في منشار الحجر، وسقطت عليه قطعة صخر كبيرة يسمونها العمال "مربوعة" ما أدى إلى وفاته على الفور. وتبين لاحقاً، أن أحد أسباب الوفاة كانت عدم توفير صاحب المصنع لأدوات السلامة المهنية للعمال.
هنا تحول وليد من شاب في مقتبل العمر، يسعى لتوفير لقمة عيش أسرته، الى لقمة سائغة للموت.
محاجر بيت فجار..قصة نجاح لم تكتمل
وتشكل "مناشير الحجر" و"الكسارات" رافداً مهماً للإقتصاد الفلسطيني، لكن كتب لقصة النجاح هذه ان لا تسير بسلام.
حيث سجلت المئات من حالات الإصابة بالإضافة إلى عشرات من حالات الوفاة الناتجة عن ظروف عمل يقول العمال في هذه المنشآت انها سيئة.
فقد عبيدة ديرية "22 عاما" إصبع يده اليمنى خلال عمله في أحد مناشير البلدة، وبالرغم من ذلك يقول ديرية ان صاحب المصنع لم يعترف بإصابته، ولم يوفر له أدوية ومتطلبات العلاج، ولم يصرف له تعويضات وفق ما نص عليه القانون الفلسطيني.
ووصل عدد مصانع الحجر في بيت فجار وحدها الى "185" مصنعاً، وهي احدى المناطق الخصبة بهذا النوع من المصانع حيث تشغل حوالي 2500 عامل من سكان البلدة و500 من القرى المحيطة.
وبين مصدر رزق لا غنى عنه ورافد هام للعمالة المحلية، والأخطار المحدقة بالعمال، تتجه القصة الى منحى معقد.
رئيس نقابة عمال البناء والأخشاب في محافظة بيت لحم محمد عيسى طقاطقة، يقول ان أغلب أصحاب مصانع الحجر غير ملتزمين بتوفير احتياطات الصحة والسلامة المهنية من اللباس والأدوات الخاصة بالعمال.
ويقول المصاب ديرية: لم يوفروا لنا اغطية الرأس ولا الحذاء المخصص للعمل داخل المصنع.. نحن طبقة عمالية مهمشة جدا في بيت فجار.
ظروف عمل "غير إنسانية"
وعن التهميش يضيف طقاطقة: لا يوجد حمامات ولا غرف لتبديل الملابس ولا حتى غرف للطعام داخل هذه المصانع.
في كافة انحاء الضفة تطفوا منذ سنوات، احداث موت عمال داخل ورش البناء والمصانع والمحاجر، واهالي الضحايا يؤكدون باستمرار ان لا محاسب ولا حساب لصاحب العمل، موجهين المسؤولية الى وزارة العمل، لكن الاخيرة هي الدور الغائب، وتبدو الرقابة الرسمية غائبة عن هذه المنشآت.
يقول ثوابتة المفجوع على فقد ابنه وليد "صاحب المصنع لم يؤمن المصنع ولا العمال.. تم حل قضية ابني عشائرياً"، وفي حين ان حوادث العمل متوقعة في اكثر دول العالم تقدما، لكن ما يحدث في بيت فجار مختلف كما يبدو.
المدير الإداري لمركز بيت فجار الطبي الدكتور إياد ثوابتة، قال إن الإصابات التي تصل المركز كثيرة جداً، ومعظمها ناتجة عن مصانع الحجر بسبب السقوط عن الصخور الكبيرة مما ينتج عنها تهتك أو قطع في الأربطة، وإصابات أخرى لا تقل خطورة.
والمشهد يتكرر..
ومن بيت لحم الى الشمال، حيث يقع احد أكبر روافد الحجر الطبيعي في بلدة جماعين، جنوب غرب مدينة نابلس، والبالغ عدد سكانها 13 الف نسمة. وهناك نعد: 70 مقلعاً للحجر و35 منشارا و10 كسارات، بالإضافة إلى مصنعين للإسفلت، تحتضنها اراضي البلدة.
وتبدو المشكلة الاساسية في هذه المحاجر هي البيئة، اذ يقول رئيس بلدية جماعين عصام الناظم، إن البلدة اشتهرت بغبارها، وضجيج معدّاتها الثقيلة التي تستخرج الصخر وتقصّه وتنقله بشكل يومي. وبين الناظم أن البلدية وجهت إخطارت لأصحاب المنشأت بتغطيتها، وأمهلتهم حتى بداية العام المقبل.
وتعد مقالع الحجر في جماعين المصدر الرئيسي للدخل في البلدة، ولكن بحسب المواطنين سرعان ما تتحول هذه النعمة الى نقمة، لحجم الضرر البيئي.
يقول المواطن أبو عمر جملة أن "مرض الربو ينتشر في البلدة بشكل كبير جدا، وهناك العديد من الإصابات خصوصا من الأطفال وكبار السن، ويعود ارتباط العديد منها بوجود مقالع الحجر والمناشير والكسارات داخل البلدة".
فيما يعجز مواطنون آخرون، ممن تقع منازلهم قرب المحاجر، عن فتح شبابيك المنازل لكثرة الغبار.
كسارات تحولت لمكب نفايات اسرائيلي
في مخيم قلنديا شمال القدس، قال عضو اللجنة التنظيمية في المخيم، خليل حمد، إن الكسارات القريبة من جهة المخيم أو كما تدعى منطقة "حي الكسارات"، تحولت حديثا إلى مكبات لحرق النفايات الإسرائيلية.
وبين حمد أن مقاولين فلسطينيين يتعاقدون مع مصانع إسرائيلية لحرق النفايات بالقرب من الكسارات، ما يؤثر ذلك على البيئة وعلى سكان المخيم، وبالتالي الكسارات لم تعد فقط لاستخراج الحجر وإنما أصبحت ملجأ للتخلص من النفايات الإسرائيلية.
وبحسب ما بين حمد، تم أستدعاء المقاول الفلسطيني أكثر من مرة، وتم حجز سيارته، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لردعه وتستخدم هذه الكسارات طريقة التفجير في اقتلاع الصخور.
ويشتكي مواطنون اقتربت مواقع الكسارات من منازلهم من تصدع وتشقق في هذه المنازل.
"عندما تسمع صوت التفجيرات في الصخور، للوهلة الأولى تحسب أن هناك حرب"، قال رئيس لجنة حي الكسارات.
وأضاف الخطيب "أقرب منزل للكسارات يعود لعائلة الأسمر.. تم تشكيل لجنة من الحي، وقدمت شكوى لمحافظة القدس، إلا أنه حتى اللحظة لا يوجد استجابة".